تحقيق : ربيـعة عمـار
ما أصعب أن تبحث عن وطنك في وطنك..
ما أقسى أن لا تكون ليبياً ولا تكون غير ليبي في آن.
عندما تكون غريبا خارج بلدك فتلك مأساة. أما أسوأ من ذلك أن تكون غريبا في بلدك، غربة لا يحس مرارتها إلا من أكتوى بحريقها.
أنها مسيرة معناة طويلة لليبيين تنقصهم ليبيتهم، فقد عاشوا ويعيشون محرومين من جنسية وطن أسمه ليبيا.
جماعة أو مجموعة من مكون الطوارق، سمها كما تشاء.
القصة ليست مجرد ورقة إدارية، قد لا تزيد ولا تنقص، بل قصة كفاح، مواطنين من أجل المواطنة.
وأكثر من يعرف قيمة الحصول على الجنسية، أولئك الذين يكابدون من أجل الحصول عليها، من أجل التمتع بحقوقهم المدنية، التي يتمتع بها غيرهم في وطن هو لهم.
الطوارق جزء من حالة تنوع ليبي يفترض أن يكون خلاقا، يقدم قيمة حضارية مضافة لبلد سيظل جميلا في عيون الجميع.
ولكن الحكومات لا تعرف الطوارق إلا في المهرجانات السياحية، أو في أيام الحروب، فحمل السلاح، يحتاج إلى قلب وليس مستند جنسية.
الصحفية ربيعة عمار أمضت أربعة أشهر من البحث، من التقصي، وزارت سبها، وأوباري، وغات، والتقت عددًا من المتضررين، كما التقت عددًا من المسؤولين، لتعود بنتائج مهمة، حصيلة جهد استثنائي.
المحرر
الليبيون البدون
ــــــــــــــــــــ
ليبيون بلا جنسية ولا حقوق مدنية
أول من استوطن الوطن، لا يملك حق المواطنة، معادلة غير منطقية، ولكنها حقيقية، فمن يبحثون عن الجنسية، يعتبرون أنفسهم أبناء هذه الأرض منذ آلاف السنين.
الآن هم يعيشون بلا حقوق مدنية، يقطنون أحياءً عشوائية، تفتقر إلى أدنى الشروط الإنسانية للحياة، في هذه الأحياء.
“الكامبوات” أسم محلي لنوع من السكن والمأخوذة عن اللغة الانكليزية Camp””، ففي مدينة أوباري (975 كيلومتر جنوب طرابلس) يطلق عليها اسم “تيلاقين”، وتعرف بحي الطيوري في سبها (773 كيلومتر جنوب طرابلس) ، وبالشركة في غات (1343 كيلومتر جنوب طرابلس)”.
حربهم في سبيل الاعتراف بوجودهم بدأت، منذ ثمانينيات القرن الماضي، ومازالت مستمرة حتى اليوم، ورغم تعدد القرارات والقوانين، مازالوا يعيشون بلا بطاقة تعريف، ولا فرص عمل، ولا حق بالسفر، ولا مشاركة في القرار السياسي، ولا غيرها من الحقوق الأساسية الموثقة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي صادقت عليه ليبيا في العام 1966.
ليبيا وطني ولن أتنازل عن حقوقي
حي “تيلاقين” في مدينة أوباري، كان وجهتنا الأولى، حيث وصلنا إليها من العاصمة طرابلس، عن طريق “طيران النفط “،عبر مهبط حقل الشرارة، 60 كيلومتر جنوب مدينة أوباري، و تعد مهابط حقول النفط في عدد من مدن الجنوب، هي الوسيلة الوحيدة لتنقل السكان جوا، من وإلى العاصمة.
أمضينا في هذه المدينة 17 يومًا، ولم يكن صعبًا لنكتشف أن الحياة هنا ليست ذاتها في الشمال الليبي، فالبنية التحتية، لا تتناسب والحالة الاقتصادية، لبلد يجيء في المرتبة الخامسة من حيث الاحتياطي العربي للنفط.
كان دليلنا قد قادنا نحو الحي عبر مسالك ترابية، وكانت البيوت صغيرة من الصلصال، جرى تسقيفها بالصفيح، وكانت بعضها من دون أبواب حتى.
في الحي التقينا محمد شبكّي (29 عامًا)، الذي يخرج صباح كل يوم متوجهًا لحقل الشرارة النفطي، الذي يبعد عن مدينة أوباري مسافة 60 كيلومترًا، للعمل ضمن فريق الحماية المكلف من حرس المنشآت النفطية بالمنطقة الوسطى، ليقف بسلاحه، برفقة زملائه لساعات طويلة، تحت أشعة شمس حارقة.
يقول محمد شبكّي: أنهم يأمنون أحد أهم الحقول النفطية، التي تنتج حوالى ثلث الإنتاج النفطي الليبي سنويًا.
“عيسى” وزملائه البالغ عددهم 238 فردًا، ملتزمون بأداء مهامهم، إلا أنهم لم يتقاضوا مرتباتهم منذ 4 سنوات، (حسب قولهم)، رغم مطالباتهم العديدة بحجة عدم امتلاكهم للرقم الوطني.
عدم الحصول على الرقم الوطني، معاناة ترجمتها آلام الطفلة “خديجة الويزر” ذات الخمس سنوات، التي تعيش رفقة أوجاعها منذ الولادة، بسبب تشوه خلقي منعها من ممارسة طفولتها أسوة بمن هم في سنها، حيث لم تنجح كل وصفات الأطباء في المستشفيات الليبية في علاجها، بعد أن تقدم بها المرض، ولم يقوى والدها والدها الكهل على نقلها إلى أحد المراكز الطبية المتقدمة في الخارج، لعدم الحصول على جواز سفر.
وفي كل يوم هناك أكثر من خديجة، حيث أكد “سليمان عليوة” المدير المساعد لمستشفى أوباري العام، أن الكثير من الحالات المرضية ما كانت لتلقى حتفها، لو تحصلت على فرصة العلاج في الخارج، ولكن الأمر استحال بسبب جوازات السفر، الذي أوجده عدم امتلاكهم للأرقام الوطنية.
وبسبب عدم الحصول على الرقم الوطني، دمعت أعين الكثير من الطلبة المتفوقين، الذين حرموا فرصة الدراسة في الخارج، وتدمع الأعين في كل موسم حج، لعدم تمكنهم من أداء هذه الفريضة.
عندما نتحول إلى مجرد بنادق !!
من أوباري غادرنا إلى منطقة الأبيض (140 كيلومتر شمال أوباري)، بمساعدة أحد السكان المحليين، ومن الأبيض كانت الوجهة إلى سبها بواسطة سيارة أجرة. أمضينا أكثر من ساعة في الطريق رغم أن المسافة بين الأبيض وسبها لا تتجاوز الأربعين كيلومترًا، ولعل 5 أيام كانت كافية لزيارة حي الطيوري، الذي كان كما لو أنه يعيش بأثر رجعي، ومنذ قرون، لولا أسلاك الكهرباء المنشرة عشوائيًا في غير مكان.
اضطررنا للانتظار خمسة أيام أخرى، في انتظار رحلة مهبط حقل الشرارة، إذ كانت مصلحة المطارات قد أغلقت مطار سبها، وكذلك تمنهنت (30 كيلومتر شمال شرق سبها) لأسباب تتعلق بالسلامة.
في مخيم الطيوري يلخص عمر الانصاري (21 عاما) معاناة عشرات الشباب، حيث اضطر للانتقال إلى العاصمة طرابلس للانضمام للكتيبة 301 مشاة.
ماذا بوسعه أن يفعل بعد أن ضاقت به السبل في الحصول على فرص عمل، فالحرب وحدها صارت سوق عمل مفتوح، وخاصة أنها لا تحتاج مؤهلات علمية، أو خبرات، وأهم من ذلك لا تحتاج إلى رقم وطني، فماذا أمام “عمر” الذي تعيش خلفه عائلة، فهو المسؤول على إعالة إخوته بعد وفاة والده، في أحد اشتباكات حرب أوباري، خلال العام 2016 .
وقال لنا “عمر” هناك المئات من شباب الطوارق، يتحولون إلى مجرد بنادق للقتال، بسبب عدم توفر فرص العمل، هكذا يحلون مشكلتهم بمشكلة. اما المعاناة القاسية، فهي للمتقاعدين، والأرامل والمطلقات، وذوي الاحتياجات الخاصة الذين حرموا من المعاشات الضمان، والتضامن أيضا.
بلا رقم وطني .. بلا وظيفة
في أقصى الجنوب الليبي، وقريبا من الحدود مع الجزائر، كانت هناك محطة أخرى، أنها غات، مدينة تارقية بامتياز، يعرفها الليبيون بمهرجانها السياحي، وبمعالمها السياحية الأخاذة.
المشهد في غات لا يختلف كثيرًا عنه في مدينة أوباري، الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي، ومشكلة امدادات والمياه، وتفاصيل أخرى مزعجة.
أمضينا عشرة أيام، واستمعنا لشهادات عدد ممن يبحثون عن الجنسية الليبية، لم يختلفوا كثيرا، ولكنهم اتفقوا جميعاً في أنها رحلة العذابات.
محمد حاجج (25 عامًا) المتحصل علي الشهادة الجامعية في تخصص صيدلة وعلوم الأدوية، يقول: أنه يشعر بالغبن داخل الوطن الذي لم يعترف به كمواطن، ويضيف أنه لم يعرف وطنًا آخر غيره.
” محمد ” فضل ترك هذه المدينة، للعمل كنادل في مقاهي بأحد مدن الساحل، ويقول بأن ذلك أفضل من أن يظل عاطلاً عن العمل، فالأمل صار مفقودا في الحصول علي وظيفة في أحد المرافق الطبية العامة، ولو بأجر زهيد، والسبب هو الرقم الوطني.
جوازات سفر لسنة واحدة صالحة في دولة واحدة !!
مدير مكتب الأحوال المدنية غات “عبدالله أحمد أمين” ، استغرب طول المدة التي استغرقتها اللجنة في حصر العائدين في الجنوب، موضحًا أن هناك حصر سابق خلال الأعوام ( 1984 – 1991- 2005 – 2009)، كان الأجدر تحديثه واستكمال الخطوات اللاحقة.
وأضاف: لقد شمل السجل المؤقت في العام 1971 نحو 10642 أسرة، تم حصر عدد 14242 أسرة في العام 1981 بينما بلغ عددهم في حصر سنة 1991 عدد 12273 أسرة، بينما بلغ عددهم في العام 2005 نحو 10442 أسرة، تم منحهم بعد تقيدهم في مصلحة الأحوال المدنية بطاقات شخصية.
وفي العام 2012 – يقول أمين – تم منح عدد 1200 شخص من الطوارق جرحى الاشتباكات التي شهدتها ليبيا جوازات سفر يدوية (تم كتابة بياناتها بخط اليد) وبصلاحية سنة واحدة، وحددت جهة السفر إلى الجمهورية التركية فقط لا غير.
فيما علق عن منظومة الرقم الإداري قائلاً: هي اليوم محدودة الخدمات، وننتظر أن يتم تفعيل بقية وظائفها، كإجراءات تسجيل المواليد، وفصل الوفيات على أقل تقدير.
الرقم المسجل لعدد العائدين حتى الآن غير حقيقي
كان العائدون المسجلون في منظومة الرقم المؤقت يتمتعون بالمساواة مع المواطنين كاملي الحقوق، في كافة جوانب الحياة منذ استقلال ليبيا في العام 1951 وحتى إصدار الرقم الإداري في العام 2014، حيث أوقفت مرتبات العاملين منهم، وحرموا من حق الحصول على فرص عمل في القطاع العام، كما حرموا من الحصول على جوازات سفر، ومنعوا من حق التملك.
13 ألف أسرة من قبائل الطوارق مقيدة منذ العام 2016 في منظومة الرقم المؤقت، تعاني اليوم من عدم استطاعتها استكمال إجراءاتها، بعد استكمال المنظومة، وحصر نشاطها في إصدار شهادات الميلاد، والوضع العائلي، بينما أوقفت خدمات الإضافة والفصل والزواج والطلاق، حتى إشعار آخر.
رحلة البحث في الشمال أخذت النصيب الأكثر في زمن هذا التقرير، إذ لم يكن من السهل، التواصل مع عدد من المسؤولين، وفي طرابلس كانت وجهتنا لرئيس مصلحة الأحوال المدنية “محمد بالتمر” الذي يرى أن الرقم الإداري هو رقم تنظيمي لحصر العائدين، ومعالجة أوضاعهم من حيث صرف مرتباتهم، والحصول على فرص العمل في القطاع العام، إلى حين البث في أوضاعهم من عائدين إلى مواطنين، وقال: “بعد إطلاق مشروع الرقم الوطني في العام 2014، كان لابد من النظر في أوضاع غير المتحصلين عليه، فتم تشكيل لجنة لحصرهم وإطلاق منظومة الرقم المؤقت بموجب قرار مجلس الوزراء 871 لسنة 2013.
وأضاف: واجهت عملية حصر العائدين بشكل عام صعوبات عديدة حالت دون إتمام عمل اللجنة المشكلة بموجب القرار رقم في الوقت المخصص لها، حيث عملت اللجنة في ظروف أمنية صعبة، وحاولت الانتقال إلى كافة مكاتب الأحوال المدنية بالمدن التي يقطن فيها العائدون، كما توقفت المنظومة في مناسبات عديدة لأسباب فنية، وأحيانًا لأسباب خارجة عن إرادة المصلحة، معتبرًا أن الرقم المسجل حتى الآن رقم غير حقيقي.
من الجنسية الليبية إلى الجنسية العربية
رئيس قسم الجنسية بمصلحة الأحوال والجنسية “جمال الدين بورأس”، يرى أن ملف تسوية أوضاع العائدين قد أخذ الكثير من الوقت، ومن المفترض أن تكون المشكلة قد حلت بعد 60 سنة، موضحًا أن من لم يقم بتسوية وضعه في العام 1954 بموجب قانون الجنسية رقم 17 القاضي بمنح العائدين الجنسية الليبية – ممن ولدوا خارج ليبيا أو أقاموا فيها إقامة عادية لمدة عشر سنوات قبل تاريخ 7 أكتوبر 1950 – كان بإمكانه تسوية وضعه بموجب القانون رقم 18 الصادر في العام 1980 والذي قضى بمنح الراغبين في الحصول على الجنسية الليبية من العائدين الجنسية العربية”.
واضاف ” بالتمر” قائلا: “قام النظام السابق في اطار توجهاته نحو القومية العربية إلي استخدام مفردة الجنسية العربية، حيث منح المتحصلين عليها كافة الحقوق الممنوحة للمواطن الليبي، بما فيها المستندات الثبوتية، والحقوق المدنية، وحق التملك”.
وأوضح رئيس مصلحة الأحوال المدنية قائلا: أقرت الدولة في العام 2010 بموجب قانون الجنسية رقم 24 منح الجنسية الليبية للعائدين، بنفس أحكام القانون رقم 17 لسنة 1954 حيث حدد المعرف (وهو الشخص المتحصل على الجنسية ويقدم شهادته الرسمية بأن شخصًا ما هو قريبه) بالنسبة لطالب الجنسية بصفة الأب والجد فقط، وهذا ما لم تشمله القوانين السابقة، التي منحت مهمة (المعرف) للجد والأب والأخ والعم وابن العم، موضحًا أن كثرة الجهات التي منحت وثائق العودة أفقدت المصداقية فيها، حيث قال قبل 25 سنة منحت البلديات مهمة إصدار الوثائق للقاطنين داخل نطاقها، وهذا ما اعتبره مخالف لقانون الجنسية.
قانون رقم (24) لسنة 2010 بشأن أحكام الجنسية الليبية
القانون 24 لسنة 2010
تقول المادة الثانية من القانون24 لسنة 2010 والتي أشار إليها السيد “جمال الدين بورأس”: (يعد ليبيا وفقا لأحكام المادة السابقة كل شخص كان مقيما في ليبيا إقامة عادية في 07/10/2010، ولم تكن له جنسية أو رعوية أجنبية، إذا توافرت فيه أحد الشروط الآتية:
أ. أن يكون ليبيا قد ولد في ليبيا.
ب. أن يكون قد ولد خارج ليبيا، وكان أحد أبويه قد ولد فيها.
ت. أن يكون قد ولد خارج ليبيا، وأقام فيها إقامة عادية لمدة لا تقل عن عشر سنوات متتالية قبل 07/10/1951.
وقد أعطى هذا القانون كافة الحقوق الذي يبحث عنها فاقدو الجنسية، غير أن المشكلة كانت في من سيضعه في حيز التنفيذ.
منحت الجنسية العربية لعدد (7102 ) مواطنا من الطوارق، غير أن هذا القرار لم يفعل.
“محمد الشارف القاجيجي” وهو محامي قال: “صدرت الكثير من القوانين والقرارات التي تقر للعائد حق الحصول على الجنسية، ومع ذلك ظلت مسألة انتماء الطوارق للأصل الليبي محل جدل، فبعد تشكيل اللجنة 252 لسنة 1976 بشأن تسمية لجان التثبت بالبلديات، للتثبت من استيفاء طالبي الجنسية الليبية شرط الانتماء للأصل الليبي، أضطر مجلس الوزراء (اللجنة الشعبية العامة آنذاك) بتشكيل لجان للتثبت من صحة الانتماء للهوية الليبية بالبلديات، بناءً على القرار رقم 31 لسنة 1980، وقامت اللجنة بعد الاستماع لشهادة الشهود، وتحليفهم اليمين القانونية، بالتوصية لضم 14242 ألف عائلة من الطوارق إلى الأصل الليبي.
بينما في العام 1986 شكلت اللجنة رقم 398 لدراسة طلبات الحصول على الجنسية، وألغيت لجان التثبت للانتماء للأصل الليبي، وفي ذات السنة صدر القرار رقم 485 بشأن وضع ضوابط خاصة بالعائدين من المهجر .
وفي العام 2002 شكلت
حلول عادلة ومنصفة وفق المعايير الدولية
عدم إيلاء الدولة الاهتمام بحل هذه المشكلة، زاد من حدة تفاقمها حتى بات العائدون فئتين لا واحدة، الأولى: هي من تخلف أجدادهم عن لجان الحصر على مر السنوات، والفئة الثانية: الوافدون من أبناء عموم الطوارق، من دول الجوار، والذين تم التعريف بيهم كليبيين، وهو ما دفع الدولة في العام 2010 إلى اعتماد التعريف بالشخص الراغب في الحصول على الجنسية من قبل والده أو جده فقط لا غير.
الطوارق العائدون تم استغلالهم كوقود للحروب التي خاضتها الحكومات في ليبيا بداية من حرب فلسطين 1948 مرورا إلى حرب لبنان 1983، فحرب تشاد خلال الفترة ( 1978 إلى 1987 )، كما شاركوا بعد 17 فبراير 2011، وفي حرب سرت ضد الإرهاب.
ويرى عضو مجلس النواب “صالح همه” وهو من مكون طوارق مدينة غات، أن الرقم الإداري، رقم غير قانوني، وإجراء تصبيري ومسكن مؤقت لأوجاع العائدين، مطالبًا الدولة باستكمال أعمال لجنة حصر الطوارق رقم 11 لسنة 2005 بدلاً من القرارات العديدة التي لا تسمن ولا تغني من جوع – بحسب تعبيره- وأضاف “همه: “بعد صدور قرار الرقم الإداري، ظن العائدون أنهم سينالون حقوق المواطنة، ولكن الأمور ازدادت تعقيدًا، خاصة بوقف منظومة الرقم المؤقت، موضحًا أن مصلحة الأحوال المدنية، قد أصدرت خلال شهر فبراير من العام 2019 القرار رقم 70 بشأن تشكيل لجنة لمراجعة ملف العائدين الذين يرغبون في الحصول على الجنسية.
أما “الهادي بوحمرة” عضو الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور (لجنة الستين) فقد أكد أن الوقت الحالي غير ملائم لحل مشكلة العائدين، وأن ما نصه مشروع الدستور بتوقف إجراءات منح الجنسية لمدة 10 سنوات اعتبارًا من تاريخ نفاذ الدستور، أمر صائب لمعالجة كل المختنقات القائمة، على أن تلتزم الدولة بالنظر في ملفات المقدمين للجنسية قبل 17 فبراير 2011.
وأضاف: نوقشت مشكلة الجنسية بعمق، والحلول عادلة ومنصفة وفق المعايير الدولية، وستكون مرضية لجميع الأطراف.
توجهنا لمكتب رئيس قسم التحقيقات بمكتب النائب العام “الصديق الصور” بعد حصولنا علي تعميم صدر عنه لوقف إجراءات منح الجنسية، حيث علل لنا صدور التعميم بسبب وجود شبهات تزوير في المستندات والملفات المقدمة من قبل بعض الأشخاص، مشيرًا أن ذلك جاء في إطار مكافحة الإرهاب، دون أن يمنحنا تفاصيل أكثر.
وبعد مسيرة أربعة اشهر 4 أشهر من البحث والتقصي، توجهنا للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، وبعد عدة محاولات كان لنا لقاء مع عضو المجلس الرئاسي عن الجنوب الليبي، السيد “عبد السلام كاجمان” الذي قال: أن ملف الطوارق وغيرهم من المكونات الأخرى، ملف شائك ومعقد ولا يمسح الوقت الحالي للبث فيه، ولا الفصل في من يكون ليبياً أو غير ذلك، وعند مطالبتنا له بتصوير اللقاء رفض، ووعد بدعوتنا للقاء آخر، غير أن ذلك لم يحدث.
سياحة في السلم ووقود في الحرب وتستمر المعاناة
ليبيون بدون، مازالوا حتى العام 2019 يبحثون عن هوية، وتاريخ، رغم أن الجغرافيا التي تحتضنهم هي الجغرافيا الليبية .. ليبيون لا يستطيعون السفر، ولا الاستفادة من حق المواطنة، رغم أن جميع الحكومات تستخدمهم كترويج سياحي في السلم، ووقود في الحرب .. رحلة البحث عن الجنسية بين دوائر اتخاذ القرار، ودهاليز السجل المؤقت، إلى الأرقام الإدارية، مازالت مستمرة .. معاناة جيلين من قطاع عريض من أبناء الطوارق تتواصل، رغم المناشدات المتعددة، والتي وصلت حد الاستعانة بالمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للدعم في ليبيا .. معاناة تتواصل، وامتناع الحكومات المتعاقبة عن اتخاذ أي خطوة لإنهائها .. جوازات تكتب بخط اليد، وتعدد فيها الصلاحية بسنة واحدة، والوجهة لدولة واحدة، وجهات عسكرية تابعة للدولة تضم شبابهم لكتائبها المقاتلة، رغم أنهم لا يحملون الجنسية .. أنها قصتهم التي تبحث عن مفسر، قصة الليبيين البدون.