الصباح الثلاثاء 20 ذو القعدة 1440 – الموافق 23 يوليو 2019
الشقيق الأول توقف عن دفع صخرته الى اعلى وقال لشقيقيه ساتوقف هنا غير بعيد عن الشاطيء حيث سيكون بامكاني ان اصطاد السمك واعيش لست بحاجة للقمة حيث بامكاني ان ارى العالم سأكتفيء برؤية البحر والعيش ليواصل الشقيقان الآخران دفع صخرتيهما الى اعلى.
كانت الصخور ثقيلة وصلدة ودفعها الى اعلى يتطلب جهدا كبيرا فالجبل كان شديد الارتفاع ، لذا توقف الشقيق الثاني عند منتصف الجبل وقال لشقيقه الثالث سأتوقف هنا لاعيش فالفواكه وفيرة والطيور لا تتوقف عن التحليق والغناء والشقشقة لا اريد الوصول الى القمة ورؤية العالم من هناك سأعيش مكتفيا بما اراه حولي .
الشقيق الثالث وهو الأقوى جسدا والأكثر حيوية وطموحا واصل دفع صخرته الضخمة إلى اعلى رغم عذابات الصعود حتى وصل بصخرته الى قمة الجبل حيث كان بإمكانه ان يرى العالم تحته بكل مافيه من خيرات والام واسعده ذلك بالتأكيد فإن ترى العالم وتراقب تفاصيله هدف يستحق دفع صخرة صماء ثقيلة الى أعلى.
الشقيق الثالث وبعد ان راى العالم أولا ألتفت حوله ليرى القمة التى بلغها بعد جهاد والتي سيعيش فيها متأملا العالم فوجدها جرداء لاحياة فيها لأ شيء عدا الصخور لا اشجار ولا اعشاب ولا حيوانات ولا طيور تطير لاحياة سوى نباتات طحالب قليلة ولامياه وادرك مصيره في قمته التى بلغها بجهاد شديد ” ان يأكل الطحالب الباردة المرة وأن يلعق الثلج من على صخور قمته ليشرب وأن يتأمل العالم من قمته تلك.
يروي هذه الحدوثة شاب ياباني لفتاة يابانية في مطعم بعد منتصف ليل ياباني في رواية ” موراكامي” مابعد الظلام ربما لايكون هؤلاء الاشقاء الثلاثة الا النفس البشرية وحالاتها او مكوناتها من “هوها” و “ذاتها” و ” ذاتها العليا” حسب التقسيم الفرويدي وربما تكون ايضا امة وهويتها المتناقضة والمتصارعة والقاتلة والقتيلة في نفس الوقت.
فالهوية ظلت ككل شيء في هذا الكون يولد وينمو ويموت تولد من موتها المتواصل كل لحظة عناصر حياة جديدة قد لا تشبه الأولى ” وان ولدت من رحمها وخرجت حية مما يموت.
هوياتنا التى تقتل كل لحظة ونقيم لها مراسم العزاء ونكتب في موتها الشعر والنثر وحتى التفلسف ونظل نحن الى زمن ميلادها ونموها وشبابها وتألقها نحنطها بشعرنا ونثرنا وادعيتنا لتظل بيننا فاعلة فعلها فينا .
ولكن ما الذي ستفعله بنا هوايتنا المنحطة؟ لاشيء بالتأكيد غير افعال “الزومبي” وذلك ” الميت الحي” الموت ويظل يسعى بيننا جاعلا من حياتنا موتا ومن اوطاننا مقبرة .
لن تكون حياة زمن الزومبي هذا حياة كالتي عرفنا وجربنا لن تكون الا حياة المقابر حيث يتعفن كل شيء ويتحلل كل شيء ويسود رغم ضجيج الزومبي واناشيده صمت المقابر وهسهسة الدود .
الهويات الميته التى لا يتم دفنها لن تنشر الا الاوبئة والموت ولن يكون الحفاظ عليها الا انتحارا جماعيا .
نخن جميعا والآن مالم ندرك ” وسط هذا الدمار الذي يجتاح كل شيء ” ان اول مهامنا للبقاء على قيد الحياة هو دفن جثت هوياتنا التى بدأت تسود الشوارع والعقول بعد ان نبشنا قبورها واخرجناها زومبيات قاتلة تلتهم ماتبقى لنا من عناصر البقاء والحياة .
لقد تعلمت الامم الاخرى من غربانها “دفن الموتى” وظللنا نلعن الغربان ولاننظر لها تشاؤما من سواد لونها لندف ثمن ذلك هذه الاوبئة التى شرعت في الفتك بما تبقى لنا من حياة وامل.
“يخرج الحي من الميت ” تلك قاعدة التجدد في الحياة التي لم ندركها لم ندرك ان مايموت من هوياتنا كل يوم تولد منه الهويات الجديدة القادرة على البقاء والتجدد ليس بالخلود ” التحنيط” بل بالتجدد والسير الى الامام .
الهويات المقتولة بفعل قانون الحياة وتجددها لا تستحق منا الا الدفن كي لا تدفننا احياء .
لا اعتقد الا ان جوهر مانعانيه من خراب ودمار الافعل ” زومبي” هويات ماتت ولم ندفنها هويات قبيلة وطائفة ومذهب وعرق ودوجمات نصر على الاحتفاظ بها رغم موتها منذ قرون خلت .