الصباح الاحد 25 ذو القعدة 1440 – الموافق 28 يوليو 2019
تحول الباجي قائد السبسي للذهاب إلى مقبرة الجلاز ، وكأنه يذهب إلى أحد مطاعم العاصمة لتناول وجبة غذاء .
لم تتحرك دبابة واحدة في الطريق العام ، ولم يغلق شارع ، ولم يصدر إعلان بحظر التجوال .
الشوارع ظلت مفتوحة ، والبرلمان مفتوحا ، ورجال شرطة الجوازات يؤدون أعمالهم بصورة اعتيادية ، ولا أحد فكر في ألقاء البيان الاول .
لا شيء كان قد تحرك بشكل استثنائي إلا الدموع في عيون التونسيبن ، وقد استيقظوا على موت رجل ، لم يكن يهمه بيته فتحولت كل البيوت إلى مأتم للعزاء ، لم يهمه ابنه فقط فبكاه الجميع كأنه والدهم المسجلين باسمه .
لم يختر الباجي قايد السبسي تاريخ ، أو مكان موته ، ولكن لو أتيح له الاختيار لما أختار افضل من هذا الوقت ، أفضل من هذا المكان ، لعل أهم نجاح للإنسان في حياته ، هو إدارة موته .
رجل من الزمن القديم ، ولكنه عرف كيف لا يعيش بأثر رجعي ، في عالم صار يقيس الوقت بميزان شديد الحساسية.
إستطاع قايد السبسي أن يدخل على خط الحالة التونسية ، عندما كانت كل خطوط تونس متعرجة ، واستطاع ان يضع القطار على السكة ، عندما اكتشف ان القطار في واد والسكة في آخر.
دخل الرجل الى قصر قرطاج عبر صناديق الإنتخابات، وليس صناديق الذخيرة ، وقدم مشروعه من قاعدة كلنا ركاب سفينة واحدة في وسط البحر .
تعامل مع خصومه بفن إدارة الإختلاف، وليس بخطاب التخوين ، والتكفير ، وتوزيع تهم الإرهاب.
كان يعرف أنه سيخرج من قصر قرطاج ذات حقيقة ، في سيارة مراسم ، او سيارة نقل الموتى ، ولكن كان متأكدا أن تونس ستظل حية .