كتب خير من جليس السوء!
بين عشرات الرفوف المزدحمة والعناوين تبقى هناك عشرة او عشرين او ثلاثين كتابا هي الاكثر امتلاء ببصمات الأصابع والأكثر تهرؤا في اغلفتها وأخيرا الاكثر صداقة لنا لماذا ؟!
لأننا في فترة ما وجدنا بها ملاذا لارواحنا ووجدنا بشخوصها ان كانت روايات او قصصا ، أناسا يصدرون باقوالهم وافعالهم عن المكبوت في أنفسنا.
إن مؤلفي كتبا كهذه يصبحون مع مرور الوقت من اقاربنا الأكثر حميمة ، يسافرون معنا ويجاورون فراشنا حين نتعب ، ولو سئل أحدنا عن شيء يصطحبه في سفر طويل لاختار دون تردد تلك الكتب التي يعود إليها بين وقت وآخر، وبين عام وآخر.
كتب كهذه تشبه المناجم الأسطورية غير القابلة للاستفادة لان ماجاء فيها وما تغلغل بين سطورها وكلماتها كان أكثر بكثير مما جاء في الحروف المطبوعة.
وكتب كهذه تتحدى معرفتنا ونمونا لأننا حين نعود إليها نكتشف في كل مرة مالم نكتشفه من قبل كم من التأويلات تقبل رواية الطاعون للكاتب الفرنسي – الجزائري – ألبير كامي ، وكم من التأويلات تقبل مدينة وهران الجزائرية كساحة للوباء وكيف يصبح بإمكاننا أن نقرأها باعتبارها ( بغداد) العراق وهي تعاني شكلا آخر من أشكال الوباء فليس ثمة فرق بين وباء الطاعون ووباء الإحتلال الأمريكي.
إن جرثومة الطاعون حين تناولها كاتب مثل ألبير كامي كفت عن كونها مجرد جرثومة إنها تبلغ القلب وقد تفتك بروح الفرد الإنساني وحين يعم الوباء تزحف المقابر على الضواحي واخيرا إلى قلب المدينة مثلما زحف وباء القرن الواحد والعشرين على بغداد في صورة ترسانة عسكرية أمريكية ولصوص بالزي العسكري لاشاعة الدمار واغتيال الذاكرة و وأد الحضارة وهذا ينطبق ايضا على مقاومة الجرثومة من قبل أناس جازفوا بأنفسهم لانقاد المدينة وتاخموا الفداء في ذلك.
إن القراءة المبكرة لرواية (الطاعون) تثير غثيانا عضويا وقد تغري بالعزوف عن القراءة إلى المشاركة الأخلاقية وفي مراحل لاحقة يصبح القارئ العادي الجاد طرفا في الرواية لانه قرر بشكل أو بآخر ان يصبح طرفا في حوار عصره لهذا لن يفرق القارئ العادي بين طاعون ألبير كامي وبين طاعون تقدمه قوات الإحتلال الأمريكي للعراق إلا بقدر وعيه لرمز الطاعون كما يقدمه كل من هؤلاء.
على أن ثمة فرقا يظل واضحا هو أن ألبير كامي كان يحاول من خلال روايته دحر الوباء أما قوات الإحتلال الأمريكي للعراق فقد كانت هي الوباء نفسه يتناسل ليفتك ويقتل ويدمر ويمحو كل إنجازات الإنسان والحضارة ومايقوله لنا التاريخ بعد ذلك أنه مامن جرثومة ظلت تعيش إلى الأبد وكذلك الإحتلال الذي سوف يهزم مهما اشتدت وطأته وطال مداه.