صحيفة الصباح
الصحافة شغف أولا وثانيا وثالثا قبل ان تكون طبعا علم أو مهنة قابلة للتلقين والتدريب .. وهي بوصفها شغف تكاد تكون فنا ومثلما يرتبط الفن بمواده الخام ترتبط الصحافة ” المقرؤوة اولا” بمادتها الخام اي اللغة..
خبر واحد يصيغه صحفيان مختلفان وكلا الصياغتين تتوافران على شروط الخبر كما تحددها صفحات الكتب الأكاديمية وتجيب على الاستفهامات الخمسة المعروفة مع ذلك نحن كقراء سنفضل صياغة على أخرى.. لا لشيء الا لأن هذه الصياغة تميزت على الأخرى بمفرداتها وجماليات جملها وانسياب اسلوبها فالقاريء غالبا لا يبحث عن المعلومة فقط بل عن طريقة تقديمها سواء كانت مقرؤوة أو مرئية أو مسموعة..
أن مايميز صحفيا على زملائه ليس فقط مخزونه اللغوي الذي يتكون بالمجهود الشخصي والمداومة على تطوير الذات.. لكنه التوق “المرضي” لحيازة قصب السبق في الوصول على المعلومة والتوسع في تقديم الخدمة الإخبارية أو التحليلية أو الاستقصائية ..
أهم مايمكن أن يصل اليه الصحفي الحقيقي المصاب بالشغف في رحلته الخرافية لصيد عنقاء الرضى والنجاح ان يصنع اسمه المهني “او ماركته ” التجارية ” بما يكتسبه من خبرات ومعارف تضيف لشغفه الخاص بعدا احترافيا ليس بالضرورة أن ينعكس في مستوى المناصب والمواقع القيادية التي يحتلها في الصحف ووسائل الإعلام ففي هذا الصدد ثمة اعتبارات عديدة تحكم الأمر ولا علاقة لها بالمهنية والقدرات والكفاءة خصوصا في المؤسسات الحكومية في عالمنا الثالث وفي بلادنا تحديدا..
الصحفي في بداية المشوار لا يجب أن يضع نصب عينيه أن مهنته يمكن أن تكون وسيلة لطلب الإستفادة المادية لانه في تلك اللحظة ستحول من صاحب رسالة ومهمة محددة في المجتمع إلى مجرد مرتزق قابل للبيع و الايجار وعدو للحقيقة ..
يمكنك أن تكون معولا للبناء وتنجح بل وتصل إلى الارضاء المادي اذا امتلكت ادواتك التي تمكنك من المنافسة في تسويق سلعتك الإعلامية والصحفية .. ويمكنك أن تكون معول هدم في مجتمعك اذا رضيت أن تتحول إلى بوق او مزمار يعزف لمن يدفع اولا ويدفع أكثر..
خياراتك دائما ستجدد ظهورها في كل مرحلة من مسيرتك المهنية وتطرح عليك تحديات مختلفة بمعطيات مغايرة لكنها جميعها تضعك امام طريقين لا ثالث لهما .. وهنا لا عاصم الا الشغف والصدق في اعتناق الجدوى من رسالة المهنة التي قد تكلفك حريتك وحياتك وراحتك البدنية والذهنية..
صديقي الصحفي الشاب ليست هنا في موقع المعلم او الواعظ .. لكنني أحاول أن اضع بين يديك خلاصة تجربة حتى وإن لم احقق خلالها الكثير فإنها تبقى تجربة يمكن استخلاص دروسها والاستفادة منها وأن اختلفت ظروفها وشروطها ..
+ عنوان المقالة مقتبس بتصرف من عنوان كتاب ل ” ماريو بارغاس يوسا” .