صحيفة الصباح
من منّا وقفت طرابلس في وجهه، وسألته عن قبيلته، أو بلدته، أو فصيلة دمه، أو فصيلة حبره؟
من منّا منعته طرابلس من أن يكون واحد منها، ينتسب إلى ليمونها، وعشبها، وخبزها.
طرابلس للجميع ليست لافتة مكتوب في شارع عشرة، أو على حافلة في طريق الشط، ولكنها موجودة أمام عتبة كل بيت، وكل جامع، وعتبة كل صدر، ولكن لمن يفتح عيون قلبه.
طرابلس مدينة مفتوحة، لا تعرف الأبواب المغلقة، ولا النوافذ المغلفة، ولا تعرف الرؤوس المسدودة.
لا ترفض طرابلس أن يكون القادم من القطرون طرابلسيا، أو أن يكون القادم من تازربوا طرابلسيا، أو أن يكون القادم من العوينات طرابلسيا، ولا ترفض أي قادم من أي ليبيا لأنها ليبيا.
طرابلس هي ليبيا، فكل القبائل الليبية فيها، وكل العرقيات الليبية فيها، وكل اللهجات الليبية تشكل قاموس اليومي.
وإذا كانت طرابلس بمقاس ستندر للجميع، فهذا ليس عيبها، بل عيبنا نحن الذي نريد طرابلس على قد فراشنا القبلي، وفراشنا العشائري، وبمساحة مزاجنا الحاد.
مشكلتنا أننا لا ننتسب إلى طرابلس حضاريا، وتاريخيا.
طرابلس تعيش في زمن المكعبات الزجاجية، ونحن مازلنا نخوض حواراتنا بالحجارة.
طرابلس تعيش زمن أصدقاء المحيط، ونحن مازلنا نركل اشجار الزهر والحنة بالأحذية العسكرية.
طرابلس تعيش زمن الجيل الخامس، والرقم الوطني، ونحن مازلنا ننصب خيامنا في شارع الرشيد لحفلات ختان اولادنا.
كلنا نفضل رقم لوحة طرابلس لسياراتنا، وندعي أننا من سكان المدينة القديمة، وسوق الجمعة، لنحتمي بحياد هذه المدينة التي هي ارقى من حروبنا، ثم نعلن عليها الحرب.
في الحقيقة نحن نحارب ليبيا في طرابلس، ونحاول الإطاحة بالحلم الليبي في طرابلس.