عندما تكون مستلقيا على سريرك ، تحلق بتفكيرك من شاغل إلى شاغل، سوف تستدعي ذاكرتك متاعب العمل ، وحوايث الأصدقاء، وهموم السياسة، وكرة القدم، وغيرها.
ولكن سيظل السرير هو الشيء الوحيد الذي لا يأخذ تفكيرك ، رغم أنه يأخذ المساحة الأكثر من وقتك .
خشت السرير من غابات البرازيل ، قطعة الكشمير التي تسند عليها ظهرك من الهند، قوائم الحديد من مناجم الكونغو ، قماش المرتبة من تركيا الطلاء الجميل اللماع من النرويج ، وأجزاء أخرى من أصقاع أخرى، جمعت في إيطاليا، لتنام عليها أنت في تراغن ، أو تازربو .
يعني أن السرير الذي تنام عليه، قد اشتركت في تحضيرة جيوش من العمال، من قارات مختلفة ، وديانات مختلفة، وأعراق مختلفة .
هذه الجيوش من الأيدي العاملة، لا يعرفون بعضهم ، ولا يتكلمون لغة بعضهم، وربما يكرهون بعضهم ، ولكن هناك قوة كانت أقوى من كل التناقضات الديمغرافية ، وأقوى من كل التمددات الجغرافية ، جمعت هذا النسيج الأممي المتضارب ، والمتباعد .
والمصلحة هي الدين الواحد، وهي اللغة الواحدة ، وهي القبيلة الكونية الصغيرة ، التي جمعت عامل الغابات في البرزيل الذي يتكلم البرتغالية،مع عامل النسيج السيخي في الهند ، مع فلاح القطن المصري المسلم .
والمصلحة هي التي تحول الصنوبر إلى خشب ، وخامات الحديد إلى منتج قابل للتصنيع ، وزهرة القطن إلي أقمشة، وهي التي تجمع كل هذه المكونات لتصبح سريرا، لا أحد منهم يعرف من سينام عليه أخيرا ، ولكنهم يعرفون قبل كل ذلك ما هي مصلحتهم .
في ليبيا هناك وطن واحد يجمعنا ولم يجمعنا ، ولم يجمعنا ، وهناك دين واحد يجمع ولم يجمعنا، وهناك لغة مشركة تجمعنا ولم تجمعنا .
وفي ليبيا هناك حب ينبغي أن يجمعنا، ولكن لم يجمعنا حتى الخوف .
والسؤال : لماذا لا تجمعنا المصلحة على الأقل .
التفكير داخل صندوق الجزر المعزولة ومنطق أنا أولا، و أنا أولا ، وأنا ثانيا وأنا عاشرا ، لا يمكن أن يكون خيارا ، بل هو انتحار .
فماذا لو أن البرازيل امتنعت عن تصدير الخشب لأنه سيتحول إلى سرير ينام عليه أشخاص غير برازيليين ؟
وماذا لو أن تركيا قد امتنعت عن تصدير القماش ، أو الكنغو عن الحديد ، أو ايطاليا عن صناعة حجرات النوم، وبنفس منطق أنه سيتحول إلى سرير ينام عليه، أصحاب لغة أخرى او ديانة اخرى ؟
الخاسر هم عمال البرازيل والكنغو ، والهند، وكل الذين ساهموا ف انتاج مكونات السرير قبل من يستعمله في أي مكان من العالم .
فهل نفكر في السرير؟ نقصد هل نفكر بمنطق المصلحة، ولغة المصلحة، الذي يجمع المتباعدين ، والمتفرقين ، والمتعادين ، على الأقل يتوقف هذا النزيف الهائل، الحريق المشتعل، والناجم عن إهدار كل مشترك بيننا؟
ليس مشكلتنا أن نختلف، ولكن مشكلتنا أن لا يجمعنا شيء ، رغم كل المشتركات التي تبدأ بليبيا ولا تنتهي عندها .
لنأخد فقط ” بريك” للتفكير، لا يتعدى الخمس دقائق .