ينما تظهر بيانات مصرف ليبيا المركزي، رقم إيرادات مصلحة الجمارك بما لا يتخطى 297 مليون دينار، تؤكد المصلحة بأن الرقم المحقق فعليا يصل إلى 336 مليون، وتتمنى على المركزي أن يتحرى الدقة.
المركزي يرى أن رقمه هو الصحيح، وهو يتكلم من واقع الإيداعات، والقيم المودعة في حساب الإيراد العام.
الجمارك يتمسكون بأن رقمه الأصح، تأسيسا على ما تم جبايته، ودخل حسابات المصلحة.
الفارق بين ما أظهره المركزي، وما تتمسك به مصلحة الجمارك، يلامس الأربعين مليون، وهو رقم كبير.
السؤال: هل المصلحة أصدق، أم أن المركزي كان أكثر دقة؟
ما يجمع المركزي من جهة، ومصلحة الجمارك من أخرى، هو التعامل مع الرسوم الجمركية كأداة جباية، وأداة جباية فقط.
ولهذا فإن اختبار الأداء، اخفاقا أو نجاحا، سيظل وفقا لحجم التحصيل الجبائي لا المحصلة الاقتصادية.
ولكن في الوقت نفسه الذي يتراشق فيه مصرف ليبيا، ومصلحة الجمارك، يتوعد الرئيس الأمريكي الأوروبيين، بزيادة الضريبة الجمركية على السيارات الأوروبية بنسبة 25 بالمئة.
القصد من الزيادة ليس تحسين الدخل الأمريكي، ولا حتى حماية الصناعة الأمريكية، بل حمل الأوروبيين على عدم التمسك بالاتفاق النووي الإيراني، واحترام العقوبات الأمريكية على طهران.
وهذا يعني أن الرسم الجمركي يمكن أن يكون أداة سياسية، في عالم صارت فيه هذه الضريبة أقوى من حاملة الطائرات، والصواريخ الذكية، وامتياز حق الفيتو في مجلس الأمن.
وبين سوء الفهم، وسوء التدبير مازال الرسم الجمركي بالنسبة لنا مجرد نافذة جباية، لدعم الإيراد العام، إذا استثنينا من يستعملونها كأداة للتكسب غير المشروع.
وتبعا لهذا الفهم، هناك أكثر من رأي يدعو لإلغاء الرسم الجمركي. أما لإنهاء الفساد، بمنطق ليتساوى الجميع في الإعفاء، طالما أنهم لم يتساو في الدفع، أو لتخفيض أسعار السلع.
وإذا أخذنا نتطلع إلى ما حولنا، من نوافذ، أبواب، ورق للكتابة، جهاز الهاتف المحول، التلفزيون، فنجان القهوة، مكعبات السكر، وغيره، سنجد كل شيء على علاقة وصلة بالرسوم الجمركية
يعني أن هذا الرسم هو جزء من أكلنا، وشربنا، وعلاجنا، من حياتنا، نقصد أنه أهم من أن يكون عملية جبائية.
لهذا لابد من التفكير خارج الدولاب البيروقراطي، وعقلنة هذه الرسوم للمساهمة في حلحلة الكثير من المختنقات، ولخدمة اقتصادنا الوطني.
فنحن نعاني من ازدحام، وشوارعنا ضيقة، لا يمكن أن تكون سيارة بعرض سيارة عادية ونصف بنفس الرسوم الجمركية.
ونحن نعاني من فقر مائي، ومن استهلاك جائر للمياه، قد نحتاج لإعفاء المنتجات الزراعية التي تستهلك المياه من الرسوم الجمركية.
ونحن نعاني من عجز في توليد الطاقة الكهربائية، نحتاج لرفع الرسوم على المولدات، وإعفاء معدات الطاقة الشمسية، لأنها طاقة نظيفة ومتجددة.
ونحن نريد توطين صناعة الملابس مثل كل العالم، لذا نحتاج إلى زيادة الرسوم الجمركية على الملبوسات، وتخفيضها على الأقمشة، فالجمرك هو حارس أمين على الصناعة المحلية.
ولهذا لا ينبغي أن ننتظر مناكفة بين الجمارك، والمركزي على صندوق الجباية، بل اقتصاد يفكر خارج الصندوق.