بقلم /سليم الزريعي
كانت النتيجة تصوير صفقة ترامب كوشنير على أنها صدمة، وذلك، لغياب الرؤية السياسية الفكرية الكفاحية في بعديها المرحلي والاستراتيجي لدى الجانب الفلسطيني، بعد أن بقيت السلطة كشاهد الزور، يراقب تسرب الأرض والحقوق وعنف قطعان مستوطني الكيان الغاصب وقواته، ربما لأن السلطة اعتبرت أن البحث عن خيارات أخري مجازفة، ارتباطا بحصر تفكيره وردود فعله من دخل الصندوق، فيما سيرورة الممارسات الصهيونية الأمريكية تشير إلى تبخر ما عرف بحل الدولتين وفق الرؤية الفلسطينية منذ سنوات. تكاد غيبوبة الجانب الفلسطيني المستمرة منذ أوسلو تظهر العجز في القراءة والاستشراف واجتراح الحلول بدل انتظار الهجوم الصهيوني الأمريكي السياسي والأمني والأيديولوجي، للبحث في كيفية رد الفعل، من ذلك أن صفقة ترامب – كوشنير الصهيونية بامتياز هي بعض أفكار رئيس حكومة الاحتلال الأسبق إسحق رابين عام 1995. كما كتب شمعون شاباس المدير العام السابق لديوان رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، في مقاله بصحيفة يديعوت أحرونوت في 4/2/ 2020، لكن الفرق حسب رأيه هو» أن خطة رابين تم تصميمها بالشراكة مع ممثلي الشعب الفلسطيني والدول العربية».
صفقة صهيونية
ذلك أن صفقة ترامب- كوشنير- نتنياهو تجاهلت أن هناك اتفاقا فلسطينيا واسعا على برنامج حد أدنى فلسطين، كقاسم مشترك بين من يعتبر أن تحرير كل فلسطين هو هدف لا يمكن إسقاطه، وبين أصحاب مشروع أوسلو الذين يرون أن هذا هو الممكن الآن في ظل الشروط المحلية والعربية والدولية وميزان القوى الكمي والنوعي مع الاحتلال، إلا أن الصفقة المؤامرة تجاهلت أن أوسلو كان تنازلا فادحا عن 78 % من فلسطين التاريخية، واعترافا على بياض بالكيان الصهيوني مقابل ثقته في وعود صهيونية ودور أمريكي أقل انحيازا، بل والعمل كشرطي لحماية أمن الاحتلال، وحسب المدير العام السابق لديوان رئيس حكومة الاحتلال فإن 530 هجوما فلسطينيا مسلحا تم إحباطها العام الماضي بفضل التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية».
ورغم تسليمنا بأن صفقة ترامب هي محصلة السير عن وعي في طريق أوسلو وعلى خطى اتفاقية كامب ديفيد مع مصر، من قبل قيادة منظمة التحرير رغم الرفض السياسي الشعبي والفصائلي له منذ البدء باعتباره خطيئة، فإن صفقة ترامب بددت كل رهانات فريق أوسلو في حل الدولتين، ليكون السؤال ماذا قدمت هذه الصفقة للجانب الفلسطيني؟ وما مدى واقعيتها، وإمكانية حياتها؟ ومن جانب آخر هل طابق حساب حقل قيادة السلطة الفلسطينية حساب بيدر ترامب – كوشنير – نتنياهو؟
الصفقة…استسلام وليس حلا
إن الإجابة على هذه الأسئلة يختزلها مقال في صحيفة «هآرتس» العبرية للكاتب ألوف بن، وهي أن الصفقة تتعلق بـ«الاستسلام»، فهي «تطلب من الحركة الوطنية الفلسطينية، الاستسلام دون شروط».
بل إن التجني والوقاحة الأميركية الصهيونية وصلت حد لي عنق اللغة والمفاهيم وهي تقدم صفقة القرن على أساس أنها تسمح بقيام دولتين لشعبين، في حين أنها تحرم الفلسطينيين من أي فرصة لإنشاء دولتهم. ومقارنة بحدود سنة 1967المنصوص عليها في قرارات الأمم المتحدة، فإن أراضي فلسطين في الضفة الغربية تتقلص بنسبة لا تقل عن 30 بالمئة، بينما تعزلها المستوطنات اليهودية خارج الحدود الإقليمية.
وهي منفصلة عن حدود الأردن وساحل البحر الميت.هذه الدولة التي قدمها ترامب –كوشنير في صفقتهما سيئة الصيت لن يكون لـ«فلسطين المستقلة» أي موانئ أو مطارات أو جيش أو قوات أمن أو سيطرة على المجال الجوي والحدود. ولن يكون لها القدرة على الدخول في أي تحالفات مع دول أخرى غير «إسرائيل».ولن يمنح اللاجئون الفلسطينيون حق العودة. وستكون عاصمة فلسطين في ضاحية القدس النائية «أبو ديس»، في حين أن القدس، بما في ذلك الجزء الشرقي منها، ستكون عاصمة «لإسرائيل».
بل إن «صفقة ترامب وصهره الصهيوني كوشنير تقترح، ضم التجمعات السكنية في منطقة المثلث لفلسطينيي عام 1948، المكوّنة من كفر قرع وعرعرة وباقة الغربية وأم الفحم، وقلنسوة، والطيبة وكفر قاسم والطيرة، وكفر برا، وجلجولية، لسيادة الدولة الفلسطينية المستقبلية، فيما استثنت قريتي جت وقرى زيمر لموقعهما الاستراتيجي والجغرافي المرتفع المطل على الساحل من الجهة الغربية وعلى الضفة من الجهة الشرقية.وسوغت خطة ترامب مقترح الضم الذي قدم تم مناقشته في السابق من الجانب الإسرائيلي في عهد الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، للحد من فوبيا العامل الديمغرافي كون هذه التجمعات التي يقطنها قرابة 300 ألف فلسطيني يحملون الجنسية الإسرائيلية.
ولعل الرسالة التي وجهها 107 اعضاء من الكونغرس أميركي من الحزب الديمقراطي، للرئيس الأميركي دونالد ترامب وحملت تواقيعهم، وجاء فيها أن الخطة ستدفع الإسرائيليين والفلسطينيين نحو مزيد من الصراع، مشددين على أن المقترح الأميركي يمنح «إسرائيل» الضوء الأخضر لانتهاك القانون الدولي عن طريق ضم الضفة الغربية أو أجزاء منها.وتفضح رسالة أعضاء الكونغرس الخطة كونها تمهد الطريق لإسرائيل لاحتلال دائم للضفة الغربية، وتؤيد الضم الأحادي للمستوطنات الإسرائيلية وغور الأردن، مقابل دولة فلسطينية مقطعة الأوصال ومحاطة بالمستوطنات وخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، موضحين أن الخطة وضعت من قبل طاقم معاد ورافض لإقامة دولة فلسطينية.
ما العمل؟
رغم أهمية رسالة أعضاء الكونجرس الأمريكي إلا أن الأكثر أهمية هو أن تعي الجهات المقررة في الحالة الفلسطينية، أنه يجب طي صفحة أوسلو قولا وفعلا، أمنيا وسياسيا وقانونيا عبر سحب اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بالكيان الغاصب، ووقف التنسيق الأمني، حتى يكون لمواجهة صفقة ترامب معنى.
ثم اشتقاق برنامج سياسي وكفاحي يعمل على تعديل ميزان القوى بما يسمح بانتزاع الحقوق الفلسطينية على الأقل، حقوق الحد الأدنى، وليس استجداءها، وشعب المضحين قادر على انتزاعها، بعد استعادة ذلك الخيار الذي ضُيع تحت وهم أوسلو لربع قرن من الزمن