ان تفشي وانتشار وباء كورونا المستجد فرض واقعاً صحياً واجتماعيًا واقتصادياً غير مسبوق على مستوى العالم، لعل أهم ملامح هذا الواقع ارتفاع عدد الوفيات يومياً في مختلف الدول، وقفل حدود الكثير من الدول براً وبحراً وجواً وتوقف المصانع والنشاطات التجارية، وافلاس الكثير من الشركات وانكماش اقتصادات العديد من الدول بما في ذلك الدول المتقدمة، بالإضافة إلى تقييد حركة السكان في مختلف الدول، وإغلاق الجامعات والمدارس وتوقف المناشط الرياضية والاجتماعية ، وفوق كل ذلك حالة الهلع والخوف التي انتشرت بين الناس في كل مكان ، والإقبال غير المسبوق على اقتناء السلع والمواد الغذائية في مختلف الدول تفاديًا للخروج من بيوتهم لتوفير احتياجاتهم اليومية، وكان ذلك نتيجة للتوجيهات التي صدرت عن الحكومات للتقليل من انتشار الوباء .. وقد أعلنت منظمة الصحة العلمية بان هذا الفيروس يعتبر وباء على مستوى العالم .
الدول المختلفة وبهدف التقليل من حدة الأزمة وآثارها على اقتصاداتها وسكانها اتخذت الكثير من الإجراءات والتدابير الاستثنائية التي فرضها هذا الواقع، وقدمت الحكومات تضحيات كبيرة ورصدت ميزانيات ضخمة لتوفير الاحتياجات والمستلزمات الطبية الوقائية والعلاجية ، وشهدت هذه الدول تعاون كبيرا وتنسيقا بين مؤسسات القطاع الخاص والقطاع العام، والحكومات وحدها لن تستطيع مواجهة الأزمة ما لم تقوم مؤسسات القطاع الخاص وشركاته بالمساهمة في توفير الكثير من المتطلبات واستيراد المستلزمات الطبية وتصنيعها وتوفير الاحتياجات الغذائية لبناء مخزون استراتيجي سلعي لمواجهة المستجدات وقبل ان تقفل الأسواق العالمية ابوابها نتيجة لهذه الجائحة العالمية حسب تصنيف منظمة الصحة العالمية . وبالرغم من عدم الإعلان عن حالات إصابة كثيرة بهذا الفيروس في بلدنا ليبيا حتى هذا التاريخ ولله الحمد الا ان الوضع يستوجب جملة من الإجراءات الاقتصادية والاحترازية التي ينبغي على السلطات الليبية العمل عليها للتخفيف من آثار الأزمة على المواطنين والاقتصاد الليبي المتأزم أصلا، والتصدي لها ومن اهم هذه الإجراءات التي ينصح بها مايلي :
– رفع كافة القيود المتعلقة باستيراد الأدوية والمعدات الطبية اللازمة لمواجهة هذا الوباء امام مؤسسات القطاع الخاص والقطاع العام، وتوجيه القطاع المصرفي لإعطاء الأولوية لتوفير هذه المستلزمات وفتح كل وسائل الدفع المصرفي ( الاعتمادات المستندية، المستندات برسم التحصيل، الحوالات الخارجية المباشرة ) المتعارف عليها أمام الموردين لتوفير هذه المستلزمات.
⁃ التشجيع والدعوة للتوسع في استخدام البطاقات المصرفية الإلكترونية عبر آلات السحب الذاتي ونقاط البيع، وإعفاء المستخدمين من الرسوم المترتبة على استعمالها موقتاً، للتقليل من استخدام النقود الورقية التي قد تكون ناقلة للعدوى، وللحد من عدد المترددين على المصارف قدر الإمكان .
– توفير الكمامات الطبية والقفازات وتقديمها مجاناً لكل المواطنين، وان تقوم الحكومة بتعويض الصيدليات التي تقوم بتوفيرها ومنع الاتجار فيها .
– التأكيد ومتابعة منع تصدير او اعادة تصدير الكمامات والقفازات الطبية ومحاليل التطهير، وفقاً للقرارات التي صدرت بالخصوص.
– تخصيص وتجهيز مبنى او مكان خاص ومنعزل للحجر الصحي في المدن الكبيرة المكتظة بالسكان في مختلف مناطق ليبيا في اسرع وقت ممكن، ومساعدة البلديات المعنية في ذلك بتوفير الميزانيات اللازمة لذلك .
⁃ تخصيص ميزانية طوارئ بالنقد الأجنبي وبالدينار الليبي كافية لتغطية الاحتياجات الاستيرادية من المعدات والمستلزمات الطبية اللازمة لمواجهة هذا الفيروس لكافة المدن الليبية، شرقاً وغرباً وجنوباً، تحدد بمعرفة الجهات المختصة بتعاون وزارتي الصحة شرقاً وغرباً والمركز الوطني لمكافحة الأمراض.
⁃ فتح الحقول والمواني النفطية واستئناف تصدير النفط الخام والغاز لتعويض الفاقد في الإيرادات ولتقليل الخسائر التي ترتبت على انخفاض أسعار النفط في الآونة الأخيرة ولمواجهة الالتزامات المترتبة على التصدي لجائحة فيروس كورونا المستجد .
⁃ العمل على توفير مخزون سلعي غدائي استراتيجي يتولى توفيره القطاع الخاص الليبي المتخصص ممن له الخبرة في هذا المجال لفترة تتجاوز العشر سنوات، وتسهيل إجراءات الاستيراد وتوفير النقد الأجنبي اللازم لذلك.
⁃ الوقت غير مناسب للتضييق على المواطنين او إجراءات التقشف، سواء في الحصول على مرتباتهم أو مستحقاتهم المالية، وغير مناسب لفرض ضرائب او رسوم جديدة، ويشمل ذلك الأفراد والقطاع الانتاجي والخدمي الخاص ( درء المفاسد أولى من جلب المنافع ).
⁃ الدول الأخرى التي تعاملت مع هذه الجائحة اتخذت إجراءات غير مسبوقة لإنعاش اقتصاداتها والتخفيف على الناس، على سبيل المثال البنك الاحتياطي الفيدرالي خفض سعر الفائدة إلى مايقارب الصفر لإنعاش الاقتصاد الأمريكي، البنك المركزي المصري طالب المصارف بتمديد فترات استحقاق الديون على الشركات الصغرى ، ومنح خطوط ائتمان للشركات الموردة بهدف التقليل من حدة الصدمة على الاقتصاد ، وغيرها من الإجراءات الأخرى الملزمة للقطاع المصرفي . وفي إيطاليا قامت الحكومة بمد المواعيد النهائية لسداد ضرائب الشركات في المجالات المتضررة ، بالإضافة إلى لجوء الحكومات إلى تعويض المؤسسات والشركات والمطاعم والمتاجر التي تعطلت نشاطاتها وتعرضت لخسائر نتيجة للإجراءات التي فرضتها الدول في مواجهة هذا الوباء.
⁃ تشديد الرقابة على الأسعار خصوصاً أسعار المواد الغذائية وتوقيع غرامات كبيرة على من يستغل الظرف ويحجب السلع ويرفع اسعارها، او يقوم بتخزينها لخلق ندرة بالأسواق .
⁃ الموقف يتطلب اعادة توجيه الموارد المتاحة، والمبرمجة مسبقا في ميزانيات او ترتيبات مالية إلى استعمالات تستجيب لمتطلبات مواجهة هذه الجائحة، ويجب ان يؤخذ التنبيه الذى صدر عن المركز الوطني لمكافحة الأمراض بكل جدية ومسؤولية.