بعيدا عن كل التفاصيل، وعن سؤال الظالم والمظلوم، نستطيع أن نقول أن غسان سلام قد أختصر المشهد في بضع كلمات تقول أو بما معناه، ليبيا تنتحر بأموالها.
أكثر من خمسين يوما من الحرب على طرابلس، والتي قد تأخذ أكثر من خمسين يوما أخرى.
خلال هذه المسحة الزمنية، تكون ليبيا قد خسرت مليارات الدولارات، نفقات هذه الحرب، كان يمكن أن توظف في التنمية، في إعادة الأعمار، في تحسين الظرف الإنساني لليبيين.
أسوأ من الأموال هو هذا الفاقد الكارثي من الليبيين، قبل أن نعود مرة أخرى لنفس الطاولة، ولكن محملين بفائض أكثر من الضغينة، والعداوات، المعمدة بفائض أكثر من الدم.
وعندها سيكون التفاهم صعب، والعودة إلى المشترك الليبي أصعب، فمن يبرر المنسوب العالي لعدد الضحايا، ووكيف سيتم التراجع على خطاب الكراهية، والافك، والتشفي الذي كان أكثر سطوة؟
وهل من المجدي أن نقف على قارعة سؤال مؤجل بعد أكثر من عام أو أكثر من جيل: لماذا كان كل ذلك الموت، والخراب، والتشظي، ما دمنا سنعود إلى نفس الطاولة؟
وهل أرواح الليبيين رخيصة إلى درجة أن تضيع في معارك لا تستحق وقتهم، فكيف تستحق حياتهم؟
وإذا كنا سوف نصل حتى بعد ثلاثين عاما إلى انتخابات، ودولة ديمقراطية، وتداول سلمي على السلطة، وثقافة القبول بالأخر المختلف، ومجتمع المواطنة، ودستور، وسيادة القانون، فلماذا لا نذهب اليوم إلى الغد الذي نبتعد عنه.
هناك من يضحي بطموحاته من أجل الوطن، وهناك من يضحي بنفسه من أجل الوطن، وهناك بالمقابل من يضحي بالوطن من أجل طموحاته ونفسه.
ويظل الوطن أكبر من العابثين والمغامرين.