في منطقة واحدة، ونستطيع أن نقول في شارع واحد هناك خيمتين للعزاء، الأولى لتقبل التعزية في قتيل مات يدافع على طرابلس، والثانية لأخر كان ضمن الطرف المهاجم للمدينة.
أغلب الذين توجهوا للخيمتين لتقديم التعازي، لا يعرفون من الذي مع، ومن الذي ضد، وبعضهم لا يعترفون بوجود ضد ومع.
الضحية الأولى ربما هو من قتل الثاني، وربما يكون العكس صحيحا، فصندوق الاحتمالات مفتوحا حتى لفرضية أن كليهما قد قتل الأخر.
القتيلان لم يجمعهما الموت فقط، فقد جمعتهما ليبيا التي خسرت، ومازال تخسر الكثير في حرب الخسائر المزدوجة.
الشابان كلهما يعرف الأخر، فهما أبناء منطقة واحدة، وشارع واحد، وطفولة مشتركة.
الذي يدافع على طرابلس لا يتصور أن يكون الثاني غازيا لها، والذي يهاجم المدينة يدركا تماما أن الأول ليس إرهابيا.
مات الأثنين في حرب كانت فيها الأكاذيب تطوف العالم قبل أن يفتح المحاربين صناديق الذخيرة، فلو كانت هناك فرصة لكى يعود الأول للحياة، لبكى الثاني بملء حزنه، والعكس تماما صحيح أيضا.
بعد الحرب قد تجمع أمهات الضحايا خيمة عزاء ثالثة، لشاب أخر قد يكون مع وقد يكون ضد، ولكن بالتأكيد سيجمهم الحزن. أما إذا استمرت الحرب فقد يجمهم مركز إيواء واحد للنازحين.
قد نقف اليوم على أطلال مئة بيت، وقد نقف في الغد على أطلال ألف، ولكن قد نقف بعد ذلك على اطلال وطن، هذا إذا كانت لنا حينها قدرة على الوقوف.
الوطني ليس الذي يورطنا أن نموت من أجله، بل الذي بجعانا نعيش من أجل الوطن، لهذا نحن في حاجة إلى حكمة، قبل أن نكون في حاجة إلى حاكم