بقلم / سليم يونس
في إطار سياسية التعمية وتغييب الوعي, اتكأ البرهان على الدين كمسوغ سياسي للقيام بأعمال يدرك أنها تمس وجدان وثوابت الناس.
فقال رئيس مجلس السيادة في السودان, عبد الفتاح البرهان: «لقد استخرت الله قبل السفر بفترة, أدعو الله في كل صلاة: (اللهم إن كان لنا في هذا الأمر خير يسره لنا, وإن لم يكن فيه خير اصرفه عنا)».
المدخل الخطأ
والبرهان وهو يوظف الدين لتبرير مقابلة المجرمين العنصريين الصهاينة ومن ينتهكون حرمات المسجد الأقصى ويحتلون الأرض التي بارك الله حولها, إنما يستخف بعقول الناس, لأنه ما من مبرر ديني في الأساس يسوغ له أن يقابل من يمارس القتل اليومي ضد الشعب الفلسطيني ومن ثم فإنها مدخل البرهان الخطأ.
فصلاة استخارة البرهان هي من ذلك النوع من التضليل الذي يتزيا بزي الدين, لتبرير طعن الشعب الفلسطيني في الظهر, والتوقيع بالموافقة على صفقة قرن ترامب وصهرة اليهودي الصهيوني, صفقة تصفية القضية الفلسطينية, التي هي حسب 107 أعضاء في الكونجرس ومحللين يهود تستهدف فرض الاستسلام على الفلسطينيين دون قيد أو شرط.
محطة تحول
لكن السؤال: هل خطوة البرهان جاءت كنتيجة وحدث دون مقدمات أسست له?
أم أنها أتت في سياق مسار تراكمت وقائعه عبر السنوات بدأ مع بداية السودان الحديث حتى لحظة التحول, التي أقدم عليها المسؤول السوداني الأول عبدالفتاح البرهان.
ولأنه ما من واقعة أو حدث يتم بمعزل عن مقدماته, فإن لقاء رئيس مجلس السيادة السوداني العلني مع نتنياهو ليست استثناء من ذلك, كون الوقائع تشير إلى أن خطوة التحول الفعلي في سياسة السودان نحو الكيان الصهيوني كان قد اتخذها رئيس السودان السابق عمر حسن البشير في العام 2014, عندما طرد المُلحق الإيرانيّ من الخرطوم, وهي الرسالة التي قدمها السودان كبادرة حسن نيه موجهة للولايات المتحدة وكيان الاحتلال ودولاٍ عربية .
وفي ظل هذا المناخ فُتح الباب أمام حالة من النقاش والجدل بين النخب السياسية الحاكمة في السودان حول العلاقة مع كيان الاحتلال الصهيوني في فلسطين, على أساس «وهم» أن حل مشاكل السودان المختلفة أساسها وضع السودان على قوائم الإرهاب الأمريكية, وأن كسب رضا البيت الأبيض يمر إجباريا بتل أبيب.
وفي إطار هذه السيرورة جاء تصريح وزير الخارجية السوداني الأسبق إبراهيم الغندور في يناير 2016, وهو أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل ممكن بشرط رفع الحكومة الأمريكية العقوبات الاقتصادية.
هذا التوجه زكاه في حينه القيادي في حزب «المؤتمر الوطني», الحاكم في السودان, مصطفى عثمان إسماعيل,عندما قال إن «حديث وزير الخارجية السوداني, بشأن دراسة التطبيع مع إسرائيل, يصب في المصلحة العامة».
ولأن السلطة السياسية في السودان وكذلك بعض النخب السياسية اعتبرت أن معاناة السودان الاقتصادية مردها العقوبات الاقتصادية الأمريكية وليس سياسات الحكومات السودانية في بلد كان يمكن أن يكون من أكثر دول المنطقة,وفرة, لما يحتويه من خيرات لا تتوفر في غيره من الدول.
ولهذا بدأت الأنظمة السودانية تبحث عن الحل السهل, عبر طرق أبواب كيان الاحتلال في فلسطين, كي تصل إلى أمريكا .
وضمن هذه السياسية والترويج الثقافي الذي يرد مشاكل السودان الاقتصادية والسياسية والاجتماعية إلى العامل الخارجي, وربط فشلها في هذه المجالات بالقضية الفلسطينية.
بدأت تظهر على السطح دعوات للتطبيع مع كيان الاحتلال الصهيوني, من ذلك أن «لجنة العلاقات الخارجية» في مؤتمر «الحوار» السوداني, في أكتوبر 2015, دعت إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل, باعتبارها أن ذلك «أمر ممكن».
وجاءت الدعوة, خلال اجتماع عقدته اللجنة لمناقشة ملف التطبيع مع إسرائيل, وذلك ضمن مؤتمر الحوار السوداني,الذي أقامته حكومة البشير.
السودان سبق غيره
ومع ذلك فإن صحيفة الطريق» السودانية تكشف, أن هناك تاريخًا من النيات المبيتة للتطبيع مع إسرائيل صدرت عن مسؤولين في الحزب الحاكم وفي الحكومة أيضًا, وذلك عندما كشف كرم الله عباس الشيخ, والي ولاية القضارف الأسبق,عن انتمائه لمدرسة داخل المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم),تطالب بالتطبيع مع إسرائيل, ويبدو أن مصطلح المصلحة العامة في السودان, كانت هي أيضا الذريعة وراء البحث عن علاقة مع كيان الاحتلال, وكان ذلك قبل وضع السودان على لوائح الإرهاب الأمريكية بسنوات طويلة.
فقد نشر موقع رصيف في 30 نوفمبر 2018 أن السودان كان « أول محطة عربية انطلق منها قطار التطبيع مع إسرائيل,وذلك في إطار مساعي الخرطوم للحصول على الاستقلال عن مصر وبريطانيا.